جعل ثواب بناء المسجد للابن ، ووضع لوحة على المسجد باسم المتبرع له

السؤال : رجل تبرع بأرض ، وقام ببناء مسجد ، وجعل ثوابه لابنه المتوفى ، فهل يصح ذلك ؟ وهل يجوز وضع لوحة بأنه مسجد فلان رحمه الله ؟

الجواب :

بناء المسجد من أفضل القرب التي تقرب إلى الله عز وجل ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : { أن

من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة } .(1)

ولكن هل من المستحب والمشروع أن نبني مسجد للأموات ، أو نبنيها لأنفسنا وندعو للأموات ؟

الجواب : الثاني أن نبني المساجد لأنفسنا ؛ لأننا محتاجون للعمل الصالح ، أما الأموات فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرشدنا ماذا نفعل لهم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :{ إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له } (2) فترى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أرشد إلى الدعاء لا إلى أن يعمل له عملاً صالحاً ، مع أن سياق الحديث في العمل ، ولو كان العمل للأموات من الأمور المشروعة لأرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لا يعني قولنا : ( العمل للأموات ليس من الأمور المشروعة ) أنه حرام ؛ لأن السنة دلت على جوازه فقد ثبت في الحديث الصحيح أن

(1)رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب: من بنى مسجداً، برقم (450)، ومسلم في كتاب المساجد ، باب: فضل بناء المساجد ، برقم ( 533) من حديث عثمان رضي الله عنه .

(2) سبق تخريجه.

رجلاً جاء إلى النبي _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ وقال : إن أمي افتتلت نفسها ، وأظن أنها لو تكلمت لتصدقت ، أفأ تصدق عنها ؟ أو قال : أيجوز أن أتصدق عنها ؟ قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : { نعم } (1)

وأذن لسعد بن عبادة – رضي الله عنه – أن يجعل مِخْرَافِهِ في المدينة  – وهو نخل يُخْرَف – صدقة لأمه .(2)

وهنا مسألة ترتبت على سؤال الأخ السائل : أنه جعل المسجد لابنه المتوفى ، فهل يمكن أن نقول : لا يخص ابنه المتوفى بهذا المسجد دون إخوته الباقين إن كان له أخوة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : { اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم } ؟(3)

أو نقول : إن العدل واجب في أمور الدنيا ، أما أمور الاخرة فلا يجب فيها العدل ؟

فالأول أقرب عندي وأنه لا يَخص أحداً من أولاده بأعمال صالحة دون الآخرين ؛ لأنه داخل في قوله –عليه الصلاة والسلام- : { اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم } ، وقوله لبشير بن سعد حين أراد أن يشهد النبي صلى الله عليه وسلم على عطيته لابنه النعمان قال : { أشهد على هذا غيري } (4)  ، وقال : { إني لا أشهد على جور }(5)

والخلاصة : أننا نقول لهذا الرجل : الذي ينبغي أن تجعل المسجد لك ، وأما ابنك فالدعاء له أفضل من أن تجعل له هذا المسجد .

وأما مسألة : أنه كتب عليه أن هذا مسجد فلان بن فلان .

فنقول : أن هذا حسن من وجه ، وسيء من وجه آخر .

أما كونه حسناً فإن الناس إذا رأوا هذا الاسم دعوا لمن بناه وقالوا : غفر الله لمن بناه ، وجزاه الله خيراً وما أشبه ذلك .

ولكنه سيء من وجه آخر ؛ لأنه يخشى من الرياء ، وأن الإنسان فعل ذلك ليرائي به الناس ، والرياء إذا شارك العمل فإنه يبطله ؛ لما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله

=======================

(1) رواه البخاري/كتاب الجنائز/باب موت الفجأة والبغتة /برقم (1388)،ومسلم كتاب الزكاة/باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه/برقم(1004).

(2) رواه البخاري/كتاب الوصايا/باب إذا قال: أرضي او بستاني صدقة عن أمي فهو جائز/برقم (2756).

(3) رواه البخاري/كتاب الهبة /بابا الإشهاد في الهبة/برقم(2587)،ومسلم كتاب الهبات/باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة/برقم  (1623) .

(4) رواه مسلم/كتاب الهبات / باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة / برقم (1623) .

(5) رواه البخاري/كتاب الشهادات/باب لا يشد على شهادة جور إذا أُشهد/برقم (2650)،ومسلم /كتاب الهبات/باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة/برقم (1623).

عليه وسلم قال : { قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه } (1).

مجموع رسائل وفتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين 31/ 103